برعاية وحضور رئيس المجلس السياسي في حزب الله سماحة السيد إبراهيم أمين السيد، أقامت جمعية الإمداد الخيرية الإسلامية - لبنان حفل وضع حجر الأساس لمجمع الإمداد الاجتماعي - المهني - والتربية المختصة، وذلك على اتوستراد زحلة - بعلبك في منطقة دورس العقارية.
المجمع المنوي تشييده على 12600 متر مربع يتألف من: 1- مبنى الإدارة والأنشطة وجمع التبرعات وتكفل الأيتام وتقديم الخدمات الاجتماعية للأسر التي لا معيل لها في 126 قرية بقاعية. 2- مبنى لتقديم لتعليم المهني والتقني الرسمي. 3- مبنى للإرشاد الاجتماعي ودورات التعليم المعجل للأمهات والشبان المتسربين من المدارس سابقاً. 4- مبنى للتربية المختصة (التأخر العقلي) أكاديمي (من عمر 3 سنوات) ومهني لتأهيل ذوي الحاجات الخاصة. 5- المبنى المختص بالداخلي (المنامة) لذوي الحاجات، وطلاب المهنية القادمين من المناطق البعيدة.
بدأ الحفل بآيات من الذكر الحكيم للمقرئ الشيخ محمد أمهز، تلاها النشيد الوطني ونشيد المقاومة، عرّف الاحتفال الحاج أحمد ريا (المسؤول الاعلامي في حزب الله - البقاع)، ثم تقرير مصور عن المشروع، تلاه كلمة لرئيس جمعية الإمداد النائب السابق الحاج محمد برجاوي، أشار فيها أن هذا المشروع هو للمساهمة في إنماء هذه المنطقة، وخدمة عموم القاطنين فيها خصوصاً أبناء الأسر التي لا معين لها، مضيفاً أن جمعية الإمداد اليوم ترعى أكثر من 10650 عائلة، و4050 يتيماً...
ثم كانت كلمة راعي الحفل أمين السيد قال فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته
ما أجمل هذه المناسبة، وما أجمل العمل الذي يُراد إنجازه في هذه المناسبة، وما أجمل هذا الحضور الطيب والمبارك، وإن شاء الله أن يكون كلامي فيه شيء من الجمال لجمال المناسبة والحضور.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وأعز المرسلين سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين والصلاة والسلام على جميع أنبياء الله المرسلين.
جمعية الإمداد لا تنافس وإنما تعانق كل المؤسسات الخيرية الرعائية التي تهتم بالناس والفقراء والمستضعفين في لبنان
هذه المؤسسة أولاً، التي أُسست على التقوى، وأُسست ﴿كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تُؤتي أكلها كل حين بإذن ربها﴾، هذه المؤسسة هي النبات الطيب، وهذه المؤسسة ميزتها أنها تأخذ التبرعات من الناس في أغلب مصادرها - وهذا لا يعني أنها لا تستقبل تبرعات من الدول أو المؤسسات الرسمية أو المؤسسات الدولية، ولكن أظن أن النسبة الأعلى من مصادر هذه المؤسسة هي من الناس - الأمر الثاني أن هذه التبرعات هي للناس، هذه المؤسسة (جمعية الإمداد - لبنان) تعانق - ولا أستعمل كلمة تنافس - كل المؤسسات الخيرية الرعائية التي تهتم بالناس والفقراء والمستضعفين في لبنان، المؤسسات الإسلامية أو المؤسسات المسيحية، وفي هذا العمل ليس هناك فرق في الإنجاز بين المؤسسة الإسلامية والمؤسسة المسيحية، الفرق هو في الآخرة وليس في الدنيا، لكن في المبدأ يتحدث هذا الحديث عن الخلق، لا يتحدث عن التمييز بين طائفة وأخرى ومذهب وآخر، «الخلق كلهم عيال الله وأحبّ الخلق إلى الله أنفعهم لعياله»، هذا الحديث يدخل فيه كل المؤسسات التي تهتم بالخلق سواء كانت هذه المؤسسات إسلامية أم كانت مسيحية.
الأمر الثاني أود أن ألفت كل الحاضرين أو القيمين على هذه المؤسسة، أن هناك ثلاثة أو أربعة أنواع من الإدارات: إدارة المال الشخصي، إدارة المال التجاري (أن يكون الشخص موكلاً أو عاملاً عند صاحب رأس مال ويدير له أمواله التجارية، سواء كان مباشرة أو عبر وكيل)، إدارة المال العام (له علاقة بالدول عادةً)، إدارة المال الذي مصدره الناس ومورده الفقراء والمساكين. مؤسسة الإمداد تصنّف ضمن أخطر نوع من الإدارات، أي إدارة مال الناس في موارد الإنفاق على الفقراء والأيتام والمساكين والمعوزين والمعوقين، سواء من جهة معنوية، أو من جهة إيمانية، أو من جهة الطوبوية (التهنئة)، أنا أهنئ القيمين والعاملين في الإمداد وأبارك لهم وأغبطهم لأنهم موجودون في موقع ومهام ومسؤولية خاصة وحساسة جداً، أي أنهم موجودون في خدمة فقير ومسكين ومريض ويتيم وملهوف، ومن ليس له موقع في المدرسة، كلهم أوجاع، وتقريباً يمثلون أعلى نسبة من الوجع الاجتماعي العام، هم موجودون في هذه المهمة والفرصة. إذا أراد شخص ما أن يبحث عن فرصة للثواب وفرصة للتقوى وفرصة للرضوان وفرصة للقرب إلى الله، حتى فرصة للغفران، حتى فرصة للكمالات، حتى فرصة للعروج إلى الله سبحانه وتعالى، لا يجد أفضل وأجمل من هذه المواقع وهذه الأماكن. لكن ما أريد أن ألفت النظر إليه أن الخطأ في هذه المهمة صعبٌ جداً، من يخطأ في الإدارة في مواقع من هذا النوع بالمعنى السلبي (كالاستهتار في خدمة اليتيم والفقير وغيره...) يسدُّ في قلبه باب الرضوان الإلهي، ولا يصلحه شيء، إذا أراد الإنسان أن يدخل في عملية إصلاح الذات هذه المواقع من المواقع التي تصلح الذات، فإذا كانت مواقع إصلاح الذات فيها الفساد يعني لا مجال للإصلاح.
النقطة الأخرى، ما أهمية المؤسسة؟ ما الفرق بين المؤسسة وبين أن يعطي الشخص مباشرة المساعدات للناس؟ أنا لا أمانع المباشرة شخصياً بالمساعدات وهذا له قيمة أخلاقية كبيرة، ولكن عادة - دون التشكيك في كل نوايا البشر - المساعدات الشخصية لا بد أن تكون سرية، فالعلنية في المساعدات الشخصية فيها إشكال، أما المؤسسة حينما يُدفع لها مال تبرعات، ما النتيجة المترتبة على ذلك؟ وما هي الأصول التي تُحفظ وتُحمى في التعاطي مع المؤسسة؟ الكرامة هي واحدة من الأصول التي تُحفظ، وكذلك عدم المنة، وعدم الشعور بالعُجُب أو الشهرة أو ما أشبه ذلك، لأنّه يعطي بوجود وسيط، ولا يُعطي الفقراء مباشرة، فالشخص لا يستطيع أن يمنّ على الوسيط لإعطائه التبرعات، فالوسيط ليس هو المستفيد، بل الفقير، وكذلك الفقير فإنّه يأخذ بطريقة غير مباشرة فلا يشعر بالإذلال أمام المُعطي، والوسيط (أي المؤسسة) لا يستطيع أن يمنّ على الناس، والمنعم الحقيقي هم الفقراء على الأغنياء المتبرعين وعلى العاملين (المؤسسة)، لأنّ الأغنياء حينما يتبرعون للفقراء بالأصل هذا ليس مالهم، هذا رزق الله، وهم يدفعون من أجل الثواب يوم القيامة، فهم محتاجون إلى من يفتح لهم طريق الجنة، فمن الأفضل؟ الذي يفتح لك الطريق أو أنت الذي تُعطي المال؟ طبعاً من يفتح لك الطريق فضله أكبر من المال الذي تعطيه إياه، خصوصاً وأن الذين يأخذون يأخذون لدنياهم والذين يعطون يعطون لآخرتهم.
أما بالنسبة لأصل الكرامة، فقد ورد في الحديث أن رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وطلب حاجة، فقال له الأمير عليه السلام: «أكتب حاجتك على الأرض حتى لا أرى ذل المسألة في وجهك»، أي لا تقل حاجتك حتى لا تبذل ماء وجهك، لأنّ بذل ماء الوجه خسارة أكبر من المال الذي يُعطى لهذا الفقير. هذه أصول تحفظ الجميع، تحفظ المجتمع، فنحن نحتاج مجتمع أحرار ومجتمع كرامة، ولا نحتاج مجتمعاً يعيش شعور الدونية أو الذل أو ما أشبه ذلك، بهذا المعنى كما أن هناك مؤسسة تدفع دماً من أجل كرامة الإنسان، هذه المؤسسة (الإمداد) في عملها تدفع كل جهد من أجل حفظ كرامة الإنسان أيضاً.
الدنيا جميلة، وأجمل ما فيها أن يُنجز فيها الأعمال الخيرية
جميلة هي الدنيا، وأجمل ما فيها أن يُنجز فيها أعمال الخير، فالدنيا هي الساحة والفرصة التي مأمور فيها الإنسان بشكلٍ طبيعي - بغض النظر عن التشريع والفقه - ومن خلال فطرته الطبيعية ومساره الطبيعي أن يُظهر في الكون والمجتمع ما أودع الله فيه من ملكات جميلة، أي أن يُصبح إسمه في سجل، أي أنه من أهل الخير، أي أنه رجل جسّد فعل الخير وأصبح من أهله، مثل أي ملكات أخرى كالصابرين والمجاهدين والشهداء وأهل العفو وأهل الكرم، كل هذه ملكات إنسانية - بغض النظر عن الكفر والإيمان - يذهب الإنسان باتجاه تجسيد هذه الملكات التي سمّاها القرآن الكريم في بعض الآيات "الزينة"، زينة الرجال، زينة الإنسان (أي ما يُعرف ويُميّز به الإنسان) أن يكون من أهل الخير والعطاء والصبر والتضحية والعفو...
أذكر حادثة صغيرة أثرت فيّ كثيراً، كنت مرة في مكان أؤدي واجب العزاء في بيروت، أردت أن أركب السيارة، فاقترب مني شخص وطلب التكلم إليّ، قال لي: أريد أن تسامحني، فقلت له: سامحك الله على ما مضى والآن وفيما يأتي. لم أسأله عن سبب طلبه المسامحة. ركبت السيارة، وكنت متأثراً جداً لأن هذا الشخص أعطاني فرصة لأكون عند الله تعالى من أهل السماح ومن أهل العفو والصدق، فسماحة السيد حسن نصر الله مثلاً معروف لدى كل العالم أنه صادق، فإذا أردنا أن نعد الصادقين، فنصنفه مع الصادقين، فهذا تجسيد في هذه الدنيا لهذه الملكات. في هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن الكاذب يحتاج وقتاً كبيراً ليُرجع الصدق، والأمثال تضرب ولا تُقاس: الآثار السلبية لشرب القهوة مثلاً تحتاج لسبع ساعات ليتخلص منها الجسم. سهلٌ أن يكذب الإنسان وبعض الناس تفتخر بالكذب، ولكنه لا يستطيع أن يلوم الناس إذا وصفوه بأنه كاذب، ويحتاج جهداً كبيراً حتى يصبح في نظر الناس صادقاً، هذا من سابع المستحيلات، من الممكن أن يكون بينه وبين نفسه صادقاً وقد ترك الكذب، ولكن ليس بهذه البساطة سيتعامل معه الناس على أنه صادق.
ورد في كلام لأمير المؤمنين عليه السلام: «إذا رأيتم من امرئ خلة دائمة فانتظروا أخواتها». هذه أمور عظيمة جداً على هذا الصعيد، إذا نظرنا في تاريخ أحدهم وساعاته وأيامه فرأيناه مشغولاً بتحقيق إنجازات للفقراء، أيتها المؤسسة الجميلة ما أجمل إنجازاتكم في هذه الدنيا، وما أجمل عطائكم، تضحياتكم، صبركم، عملكم في هذه الدنيا. هنا تُجسّدون الإيمان والقيم والأخلاق ولا تنتظرون الآخرة حتى تُجسّدوا هذا الأمر، فالآخرة ليست دار العمل، بل هي دار الثواب، وهنا دار العمل، فأعزكم الله.
السلبيات في البنية والسلطة السياسية اللبنانية جعلت المجتمع نفسه يبادر إلى القيام بالمسؤوليات اتجاه الفقراء والناس
من خلال مؤسسة الإمداد ومن تعانقه هذه المؤسسة من مؤسسات أخرى، أظن أن هذه الميزة هي من الآثار الإيجابية، فليس هناك سلبيات بالمطلق، السلبية هي في هذا النظام في هذه التركيبة في لبنان، السلبية في هذه البُنية السياسية والسلطة السياسية، ولكن من آثارها الإيجايبة أن جعلت المجتمع نفسه يُبادر إلى القيام بمسؤوليات المطلوب من الدولة أن تقوم بها. هذه المؤسسة أو غيرها من المؤسسات عندنا أو عند إخواننا المسلمين والمسيحيين، هي البديل وهي التي ملأت هذا الفراغ من هذه الدولة وفسادها وأجهزتها الإدارية، وهذا عمل جبار.
الأمة والشعب والمجتمع هو الأساس سواء في بناء الدولة والسلطة العادلة
هل هذه الدولة عاجزة عن أن تقوم بمهامها الاجتماعية بالشكل المطلوب والواسع؟ هل هذه الدولة جاهزة لتواجه المشكلة الأمنية والتهديد الأمني والعسكري للمجتمع اللبناني وللوطن عموماً؟ هذه الدولة غير قادرة!! المقاومة جاءت كرد فعلٍ اجتماعي، أي هنا ندخل الفرحة والسرور ونردّ اللهفة للفقراء والمرضى والمساكين والأيتام، وهناك ندخل العزة والكرامة والقوة والمنعة عن وطننا لبنان وعن أمتنا جميعاً. هذا دور المجتمع، والملفت في حدود ما قرأته وعرفته في القرآن الكريم أنه خاطب الأمة أكثر مما خاطب الدول، وهذا يعني أن الأمة والشعب والمجتمع هو الأساس سواء في بناء الدولة أو بناء السلطة العادلة، ومع عدم وجود دولة صحيحة ولا سلطة عادلة لا يُعفي هذا الأمر الأمة والمجتمع من القيام بهذه المسؤولية.
والحمدلله رب العالمين
2017-05-16